top of page

مختارات من المجموعة الشعرية (لاوصف لما أنا فيه)

 

                 التبدد الذي نشبهه

تطاردنا الفصول بأمطارها

وجفاف أطرافها

فنكتوي

بصقيع صباحاتها الموحش حتى البكاء

أو نحترق بهجيرها..

نقول سنتوارى في وحدتنا؛

فتغافلنا الأعوام مهرّبة

دسائسها تحت أبوابنا

ونستيقظ على كهولتنا

حيث الإنكسارات تشق خنادقها

تحت جلدنا

من غير أن نجرؤ على ردمها

خشية أن تنهال علينا

أو

تجرّحنا شظاياها.

نترك أرواحنا تستظل

بشموس الأوطان البعيدة

ونخبىء آلامنا في الأزمنة

كي لا تهزنا الغربات

أو نجول في دمائنا كمن يبحث عن

وسيلة للخلاص

الأشعار مائدتنا

ونبيذ اللقاءات التي ننتظرها

من أسبوع لآخر

لكننا كلما نظرنا في عيون بعضنا

إحتدمت المسافات

وضل القمر.

نفتش أحلامنا وأدراج أسرتنا

عما يشبهنا

ونكتشف أننا غير تلك

الكائنات التي تركت

جوارحها تنمو على أشجار الحدائق

وأن قلوبنا قد أصبحت مثقوبة

وخوفنا لابث في حجرته

كالفراشة الدائخة

دون أن تجد من يكترث

لنجدتها.

 

                        تساؤلاتي

نحتدم في الصمت وفي الضجيج

ونبكي حين لا يسعنا الفرح

ولا تدركنا رأفة المحبة

ونتساءل كسائر اليائسين

ماذا يشبه الحزن

غير الحزن؟

           ما تتركه لنا الوحدة

أغمض عيني

لتأمل حافة أجفاني

واحتفاء رنات الضوء السكرانة

في مطر المساء.

الدهاليز تُحكم عتمتها

لكن الأصوات ما زالت ترتجف

في برد الطرقات.

أغمض عيني

لأمعن الإنصات

لصفير الريح البعيدة

وهي تدفع عجلاتها فوق الإسفلت

أو تكنس شعر الأشجار.

المدينة برمتها تستحم

في الأغبرة والأمواه

قلبي يتطوح بين الأسوار

وعيناي ثابتتان خلف أجفانهما

على أمل أن يطرق الباب

كائن ما

أن يرن الهاتف

أو أن يصيح

منبه البريد الإلكتروني.

عيناي مغمضتان

وأظنني سأنام

قبل أن يتذكرني أحد.

 

                    من إنتظار لآخر..

هكذا تبعثر ليلها

تنتظرُ لتأتيها المحيطات

وتسامرها نداءات السفن البعيدة.

مأخوذة بزفير الموج

وتمايل النوارس تتساقط في الماء

كالظلال.

تجلسُ بعد أن أهدرتها

مواعيده الخاطفة

وأوجلتها الأسفار

مترقبة رفة ما على الأغصان.

وكلما ظنّت أنه سيعود ذات ليلة

ليدع أحلامها تنام على ساعديه

تباعدت بينهما الضفاف

وما عاد أحدهما

يعرف الآخر.

 

                    القصائد

أحار

كيف لي أن أصلها

وهي هناك متحصنة

ككثبان في ليل شتائي،

أو كمن يتبسم في عتمة.

كيف لي أن أطأ أرضها

وهي منطوية لا تريد

النظر إليّ.

 

                 نغمات في البهو

شكراً للموسيقى

لأنها جعلت لياليّ

أكثر احتمالا

وحزني أشبه

بحطب الموقد الضروري

لكل شتاء...

شكراً للعازفة

التي أمضت أطراف المساء

تحيك لقصائدي

شالاً من حبات المطر

وزبد الموج

وتعزف للغة

حقلاً من الأرجوان.

 

                ما تركناه خلفنا

كثيرة كانت البيوت

التي وطأتها أقدامنا؛

قليلة الضحكات

التي ظلّت تحرس عودتنا.

طويلة

أطول من صرخة في حلم كريه

الليالي التي تركتنا ننطفىء في البكاء

أما الأزمنة التي سرقنا مفاتيحها

ليمكننا أن نحتمي بجدرانها

أو نتحدث إليها عن دواخلنا

فلكم كانت قصيرة.

 

 

                      هنيئاً لهم

لهؤلاء الذين يجرحون

ويتشاغلون بالبراءة

عندما تسقط عيناك في عيونهم

لهؤلاء-

نخب الحياة

وانحناءة المطر.

 

                    مفارقات

تُقبل أيام الآحاد

بشفاهها المزمومة

وقلبها الداكن

فأتذكر أن علىّ الإستعداد للذهاب

وقبل أن تلتقطني التفاصيل ذاتها

أتأمل طقوسي الجديدة

التي أخذتُ أتقنها

لإطالة الزمن ماأستطعت.

أؤجل القلق

متعمدة التمهل

أو التسكع في زوايا البيت

بحثاً عن أسباب تبقيني أكثر

فأكثر

فأكثر.

 

 

           الذكريات المستبدة.. الذكريات

تذهب للحكايات الممكنة

باحثا في الكلام

عن مساحات تهدىء روعكَ

أو تعيد للروح بعض أنفاسها.

تذهب للذكريات التي تراكمت

في خزائن ملابسكَ

تاركة رائحتها في قلبكَ

وفوق شفتيك.

مبلبلا بالتفاصيل الجارحة

ولسع الآلام في جسدك

تنهال في الصمت النهائي

متوهما أنك تبتعد في النسيان،

أنك ستتعافى

وتكون قادرا على ارتشاف

ماء الحياة ثانية.

تذهب إلى قلبكَ نفسه

مجنونا بالحيرة

ومثكولا كالطفل

الذي يضيّع أمه كل ليلة

وعندما تعجز الرسائل عن اسعافكَ

تعود إلى اسطبلك لاهثا

كفراشة أُودعت تواً

زجاج الأبدية

وحينها تذهب إلى الله

متوسلا الموت.

 

                  خارج حدود التوقع

السماء تغتسل بثلج السحب،

والأشجار تخفي أصابعها

لئلا تبترها الريح.

السماء مدلهمّة هذا المساء

وقلبي على حافة التل،

هبة

ويسقط في الهاوية..

 

                      لا فائدة

كلما رفعتُ رأسي لسماء

إزدادت زخات الآلام

وامتلأت أواني القلب

بالبكاء.

 

          أحب البقاء بجانبك

          حتى وإن كنتُ لا أفعل شيئاً..

أستيقظ

ليهبني النهار قبلته

ويمنحني رائحتكَ.

يستيقظ قلبي في الصباح الباكر

ليتأمل خفة نومكَ

وأسرار الليلة الفائتة

حيث تركنا حرارة أنفاسنا

تتهادى مثل أنجم في الريح،

وأرواحنا في ليل طويل

تذوب الواحدة

في الأخرى.

أستيقظ اليوم

لأعرف أكثر من أي وقت مضى

أنني سأدع روحي

تستظل في حبكَ

وإن ضاقت الأزمنة

أو بردت أطرافي

في ليل الوحدة

لأنها في غيابك

تضل طريقها

حتى وهي في بيتها.

            احتدامات الصمت الطويل

                           14 قصيدة

ها قد أخذَنا النسيان من أيدينا

وأدخلَنا بيته

تاركاً للموج

تفاصيلنا التي شيّدناها

برمل الشواطئ

ها بردت قهوتنا في الفناجين

التي انتقيناها سوياً أعوام قليلة مضت

الفناجين التي تتجاور الآن

وكأنها تماثيل

تنتظر في اتجاهين مختلفين.

* * *

أفتش في عتمة المخيلة

عن آخر مرة وضعتَ فيها

رأسك على كتفي

ودعوت البحر ليقرأ أعيننا

وجدتك قصياً

ووجدتُ أطيافنا تنهض وتختفي كالغبار

لا ملامح لأجسادنا فوق الرمل

لسنا هناك

ولم يعد لنا مكان هنا.

* * *

أقدامنا تطأ أراض جديدة

لكنها لا تريد الاقتراب

ولا تتبع الواحدة آثار الأخرى.

* * *

الجهنمية التي بدأت شتلة في شرفتنا

تشتعل الآن فوق الأسوار

مخبئةً في جدائلها أصواتنا حين كنا لا نزال

نرهق الكلام في الشرفة الجديدة

دون أن ندع النوم

يبدد حرارة أيدينا

أو يسرق من شفاهنا

بريق الرغبة.

* * *

هذا الصباح

كاد جسدي يسقط في الموت

من جديد

وكنتُ أعيد المحاولات

لانتشاله

لكنه ما لبث يسقط

في الانهيار

و لم يبق له

من يحبه

أو

يشعل له شمعة.

* * *

أغفو

متحاشية أن تلتقي عيناي

بعقارب الساعة

أو تسقط في أسر

أضواء النافذة

فأكتشف أنني أمضيت

الليل الغزير

مرددة الصلاة ذاتها

والآن وقد أهدرتني الأزمنة

لا أتذكر

إن كنت أصلي للقائك

أو الراحة من عناء

انتظاركَ.

* * *

يتقاتلون

يستلون المحبة من أصواتهم

ويذهبون لاستراحة العتمة.

حتى وهم صامتين

يتقاتلون

بلا هوادة.

* * *

هكذا تمضي علينا الليالي

مُستَنفَذة في الوحدة

والصمت الذي لا تبدو له أطراف

هكذا نعتاد أن نجرح

أعيننا بالحزن

ونحرق وجناتنا

بملح الأدمع

وعندما تضيق بنا عزلتنا

نختار الغياب

الذي جربنا رأفته.

* * *

الرياح كنست الحديقة

وما بقي من رمل في الأصص

وما بقي من أعشاش عالقة في الجدران

الرياح تريد راحتي

ولهذا أزالت كل ما يمكن

أن يذكرني بك.

* * *

أتأمل عبور الظلال على جدران الغرفة

أو أحسب المرات التي

يتبدد فيها الهواء في كثافة التنفس

ولا يدع أثراً لرحيله.

ضجرة

وكل شيء يتلعثم حولي

حتى أحلام صغيرتي

التي غفت تواً

دائخة في تعب انتظار

حكاية المساء.

* * *

تحسست القصائد التي كتبتَها

منذ عشرة أعوام وأكثر من مساء

كانت اللغة ثملة مثلك

الصور أخف من نسائم

أول الصباح

والعشق برتقالي ودافىء

كخيط الشفق

كان كل ما في كتابتك

يشي بشوق

لا يطول.

* * *

نسي الوقت أين وضعتُ

الوردة التي قطفتها لأجلك

للمرة المئة

ربما الألف

أجلس في انتظارك

مهجوسة

بالتوقع والأسئلة،

لكن الكلمات هذه الليلة

تختفي

قبل أن تتشكل فوق الشفاه،

الأنجم حذرة وباردة رغم كثرتها،

وحنجرتي تنسى اللغة

التي أعدتها للقائك.

* * *

سأودعكَ

تاركة الصمت خلفي

وأقل ما يمكن من الغموض

سألملم الذكريات

وألجم الأسئلة

وإن تطلّب الأمر

سأحكم إغلاق الخزائن عليها

وأدّعي أنني أضعت المفاتيح.

سأدّعي أيضاً

أنني قتلت عصافير قلبي

أو أغرقت القوارب

المتبقية من ركام أحلامنا معاً.

لكن هل تعرف؟

ربما لن أحتاج لكل هذه التدابير

إذ لم يعد يهتم لما بيننا أحد

ولا حتى أمهاتنا.

 

الأرض تفتح فمها لخطواتنا

وأسرارنا

متهيئة لدفن تفاصيلنا

متهيئة لأخذنا معها.

* * *

bottom of page